فصل: ذكر انتقال السلطان إلى تل العياضية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)



.نادرة وبشارة:

وكان قد صحبه من بلاده باز عظيم هائل الخلق أبيض اللون نادر الجنس ما رأيت بازيًّا أحسن منه وكان يعزه ويحبه حباً عظيماً فشذ الباز من يده وطار وهو يستجيئه ولا يجيئه حتى سقط على سور عكا فاصطاده أصحابنا وأنفذوه إلى السلطان وقد كان لقدومه روعة عظيمة واستشار عظيم بالظفر به فتفاءل المسلمون بذلك وبذل الإفرنج فيه ألف دينار فلم يجابوا، وقدم بعد ذلك كندفرند وكان مقدماً عظيماً عندهم مذكوراً فذكروا أنه حاضر حماة وحارم في عام الرملة، ولما كان الثاني عشر من ربيع الآخر وصل كتاب من اللاذقية أن كان جماعة من المستأمنين قد أعطوا براكيس ليكبسوا عليها في البحر من العدو فأخذوها ونزلوا في جزيرة قبرص في عيد لهم وقد اجتمع جمع كثير من أهل الجزيرة في بيعة قريبة من البحر وأنهم صلوا معهم صلاة العيد وأنهم لما فرغوا من الصلاة ضربوا على كل من البيعة من الرجال والنساء وأخذوهم عن آخرهم حتى القس وحملوهم وألقوهم في مراكبهم وساروا بهم حتى أتوا اللاذقية وكان من جملة ما كان فيها سبعة وعشرون امرأة وأموال عظيمة فقسموها فوصل إلى كل واحد على ما قيل أربعة آلاف درهم من الفضة النقرة وقدم بعد ذلك بدر الدين شحنة دمشق في سابع عشر ربيع الآخر وهجم أصحابنا على غنم العدو فأخذوها وكان عددها مائة وعشرين رأساً فركب في طلبها الراجل والفارس فلم يظفروا منها بشيء.

.ذكر ملك الأنكتار:

وهذا ملك الأنكتار شديد البأس بينهم عظيم الشجاعة قوي الهمة له وقعات عظيمة وله جسارة على الحرب وهو دون الفرنسيس عندهم في الملك والمنزلة لكنه أكثر مالاً منه وأشهر في الحرب والشجاعة، وكان من خبره أنه وصل إلى جزيرة قبرص ولم ير أن يتجاوزها إلا وأن تكون له وفي حكمه، فنازلها وقاتلها فخرج إليه صاحبها وجمع له خلقاً عظيماً وقاتلهم قتالاً شديداً فأنفذ الأنكتار إلى عكا يستنجد إليه الملك جفري أخاه ومعه مائة وستون فارساً ليعينوه على مقصوده وبقيت الإفرنج على عكا ينتظرون ما يكون من الطائفتين، وفي سلخ ربيع الآخر وصلت كتب من بيروت أنه قد أخذ من مراكب الأنكتار القاصدة نحو عسكر العدو خمس مراكب وطرادة فيها خلق عظيم رجال ونساء وميرة وأخشاب وآلات وغير ذلك وفيها أربعون فارساً وكان ذلك فتحاً عظيماً استبشر به المسلمون، وفي رابع جمادى الأولى زحف العدو إلى البلد ونصبوا عليه مناجيق سبعة ووصلت كتب عكا بالاستنفار العظيم والتماس شغل العدو عنهم فأعلم السلطان العساكر بالعزم على الرحيل إلى مضايقة العدو ومقاربته وأصبح على أهبة المسير إلى العدو ورتب العساكر ثم أنفذ من كشف حال العدو وحال خنادقهم هل فيها كمين أم لا فعادوا وأخبروا بخلوها عن الكمين فسار بنفسه في نفر يسير من ممالكيه إلى خنادقهم وصعد جبلاً كان يعرف بتل الفضول قريباً من العدو مشرفاً على خيمهم وشاهد المنجنيقات وما يعمل منها وما هو يطال ثم عاد إلى مخيمه وأنا في خدمته وفي صبيحة هذه الليلة أتاه اللصوص برضيع له ثلاثة أشهر قط أخذ من أمه سرقة.

.ذكر قصة الرضيع:

وذلك أنه كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام العدو فيسرقون منهم الرجال وكان من قصتهم أنهم أخذوا ذات ليلة طفلاً رضيعاً له ثلاثة أشهر وساروا به حتى أتوا إلى خيمة السلطان وعرضوه عليه وكان كل ما يأخذونه يعرضونه عليه ويعطيهم ما أخذوه، ولما فقدته أمه باتت مستغيثة بالويل والثبور طول الليل حتى وصل خبرها إلى ملوكهم فقالوا إنه رحيم القلب وقد أذنا لك بالخروج فاخرجي واطلبيه منه فإنه يرده عليك فخرجت تستغيث إلى اليزك فأخبرتهم بواقعتها فأطلقوها وأنفذوها إلى السلطان فلقيته وهو راكب وأنا في خدمته وفي خدمته خلق عظيم فبكت بكاءً شديداً ومرغت وجهها في التراب فسأل عن قصتها فأخبروه فرقّ لها ودمعت عينه وأمر بإحضار الرضيع فوجدوه قد بيع في السوق فارتده وأمر بدفع ثمنه إلى المشتري وأخذه منه ولم يزل واقفاً حتى أحضر الطفل وسلم إليها فأخذته وبكت بكاءً شديداً وضمته إلى صدرها والناس ينظرون إليها ويبكون وأنا واقف في جملتهم فأرضعته ساعة ثم أمر بها فحملت على فرس وألحقت بعسكرهم مع طفلها فانظر إلى هذه الرحمة الشاملة لجنس البشر، اللهم إنك خلقته رحيماً فارحمه رجمة واسعة من عندك يا ذا الجلال والإكرام وانظر إلى شهادة الأعداء له بالرأفة والكرم شعر:
ومليحة شهدت لها ضراتها ** والحسين ليس لحقه من منكر

وفي ذلك اليوم وصل ظهر الدين بن البلنكري وكان مقدماً عظيماً من أمراء الموصل وصل مفارقاً لهم يطلب خدمة السلطان ولما عاد السلطان إلى مخيمه لم يلبث إلا ساعة حتى وصله الخبر بتجديد الزحف فعاد وركب من ساعته نحو البلد وقد انفصل الحرب بدخول الليل من الطائفتين.

.ذكر انتقال السلطان إلى تل العياضية:

ولما كانت صبيحة الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بلغ السلطان أن الإفرنج قد ضايقوا البلد وركبوا المناجيق فأمر الجاويش أن صاح بالناس وركب لركوبه العسكر راجلهم وفارسهم حتى أتى الخروبة وقوي اليزك بتسيير جماعة من العسكر إليهم فلم يخرج العدو واشتد زحفهم على البلد فضايقهم رحمه الله مضايقة عظيمة وهجم عليهم في خنادقهم ولم يزل كذلك حتى عادوا من الزحف ظهر نهار وعاد العدو إلى خيمه وقد أيس من أمر البلد وعاد السلطان إلى خيمة لطيفة ضربت له هناك يستظل فيها من الشمس فنزل بها لصلاة الظهر والاستراحة ساعة وقوي اليزك وأمر الناس بالعود إلى المخيخ لأخذ جزء من الراحة وكنت في خدمته فبينما هو كذلك إذ وصل من اليزك من أخبر أن القوم عادوا إلى الزحف لما أحس بانصرافه عنهم أشد ما كانوا أولاً فأمر من نبه الناس وأمر بالعود فتراجعت العساكر إلى جهة العدو أطلاباً أطلاباً وأمر بالمبيت على أخذ لامة الحرب وأقام هو هناك على عزم المبيت وفارقت خدمته أخر نهار الثلاثاء وعدت إلى الخيم وبات هو وجميع العسكر على تعبية القتال طول الليل وأصر طائفة منهم على مضايقة العدو ثم سار العسكر أواخر ليلة الأربعاء عاشر الشهر إلى تل العياضية قبالة العدو وضربت له عليه خيمة لطيفة ونازل العدو في ذلك اليوم جمع بالقتال الشديد والضرب المبرح المتواتر الذي لا يفتر شغلاً لهم عن الزحف وهو يدور بين الأطلاب ويحثهم على الجهاد ويرغبهم فيه. ولما رأى العدو تلك المنازلة الهائلة خافوا من الهجوم عليهم في خيمهم فرجعوا عن الزحف واشتغلوا بحفظ الخنادق وحراسة الخيم. ولما رأى فتورهم عن الزحف عاد إلى العياضة ورتب على خنادقهم من يخبره بحالهم ساعة فساعة إذا رجعوا إلى الزحف كل ذلك دفعاً للعدو عن مضايقة البلد والزحف عليه.

.ذكر الشروع في مضايقة البلد:

ولقد بلغ من مضايقتهم البلد ومبالغتهم في طم خندقه أنهم كانوا يلقون فيه موتى دوابهم بأسرها وآل الأمر إلى أن كانوا يلقون فيه موتاهم وكانوا إذا جرح منهم أحد جراحة مؤلمة مثخنة ألقوه فيه بهذا جميعه توالت كتب أصحابنا من البلد، وأما أهل البلد فإنهم انقسموا أقساماً: قسم ينزلون في الخندق يقطعون الموتى والدواب التي يفوتها فيه قطعاً ليسهل نقلها. وقسم ينقلون ما يقطعه ذلك القسم ويلقونه في البحر، وقسم يذبون عنهم ويدافعون حتى يتمكنوا من ذلك وقسم في المنجنيقات وحراسة الأسوار وأخذ منهم التعب والنصب وتواترت شكايتهم من ذلك، وهذا ابتلاء لم يبل بمثله أحد ولا يصبر عليه جلد. وكانوا يصبرون والله مع الصابرين. هذا والسلطان لا يقطع الزحف على خنادقهم بنفسه وخواصه وأولاده ليلاً ونهاراً حتى أثرت فيه الأثر البين وكلما ازدادوا في قتال البلد ازداد هو في قتالهم وكبس خنادقهم والهجوم عليهم حتى خرج منهم شخص يطلب من يتحدث معه فلما أخبر السلطان بذلك قال إن كان لكم حاجة فليخرج منكم واحد فأما نحن فليس لنا إليكم حاجة ولا شغل ودام على ذلك متصلاً الليل مع النهار حتى وصل الأنكتار.

.ذكر وصول الأنكتار:

ولما كان يوم السبت ثالث عشر الشهر قدم ملك الأنكتار بعد مصالحته لصاحب جزيرة قبرص والاستيلاء عليها وكان قدومه روعة عظيمة ووصل في خمس وعشرين شانية مملوءة بالرجال والسلاح والعدد وأظهر الإفرنج سروراً عظيماً حتى أنهم أوقدوا تلك الليلة نيراناً عظيمة كبيرة وكان ملوكهم يتواعدوننا به فكان المستأمنون منهم يخبروننا عنهم أنهم متوقفون فيما يريدون فيما يفعلوه من مضايقة البلد حتى قدومه فإنه ذو رأي في الحرب مجرب وأثر قدومه في قلوب المسلمين خشية ورهبة، هذا والسلطان يتلقى ذلك كله بالصبر والاحتساب والاتكال على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه.

.ذكر غرق البطسة الإسلامية وهي العلامة الثالثة على أخذ البلد:

ولما كان السادس عشر وصلت بطسة من بيروت عظيمة هائلة مشحونة بالآلات والأسلحة والمسير والرجال والأبطال المقاتلة وكان السلطان قد أمر بتعبيتها وتسييرها من بيروت ووضع فيها من المقاتلة خلقاً عظيماً حتى تدخل البلد مراغمة للعدو وكان عدة رجالها المقاتلة ستمائة وخمسين رجلاً فأغرقها الأنكتار في عدة شوان، قيل كان فيها أربعون قلعاً فاحتاطوا بها من جميع جوانبها واشتدوا في قتالها وجرى القضاء بأن وقف الهواء فقاتلوها قتالاً عظيماً وقتل من العدو عليها خلق عظيم وأحرقوا للعدو شانياً كبيراً فيه خلق عظيم فهلكوا عن آخرهم وتكاثروا على أهل البطسة وكان مقدمهم رجلاً جيداً شجاعاً مجرباً في الحرب فلما رأى أمارات الغلبة عليهم وأنهم لا بد وأن يقتلوا قال والله لا نقتل إلا عن عزم ولا نسلم إليهم من هذه البطسة شيئاً فوقعوا في البطسة من جوانبها بالمعاول فهدموها ولم يزاولوا كذلك حتى فتحوها عن جانب أبواباً فامتلأت ماء فغرق جميع ما فيها وما فيها من الآلات والمير وغير ذلك ولم يظفر العدو منها بشيء وكان اسم المقدم المذكور يعقوب من رجال حلب وتلقف العدو بعض من كان فيها فأخذوه إلى الشواني من البحر وخلصوه من الغرق وأنفذوه إلى البلد ليخبرهم بالواقعة وحزن الناس لذلك حزناً شديداً والسلطان يتلقى ذلك بيد الاحتساب في سبيل الله والصبر على بلائه والله لا يضيع أجر المحسنين.

.ذكر حريق الدبابة:

وذلك أن العدو كان قد اصطنع دبابة عظيمة هائلة أربع طبقات، الطبقة الأولى من الخشب والثانية من الرصاص والثالثة من الحديد والرابعة من النحاس وكانت تعلو على السور وكان يركب فيها المقاتلة وخاف أهل البلد منها خوفاً عظيماً وحدثتهم نفوسهم بطلب الأمان من العدو وكانوا قد قربوها من السور بحيث لم يبق بينها وبين السور إلا مقدار خمسة أذرع على ما يشاهد برأي العين وأخذ أهل البلد في تولية ضربها بالنفط ليلاً ونهاراً حتى قدر الله تعالى حرقها واشتعال النار فيها وظهر له ذؤابة نار نحو السماء فاشتدت الأصوات بالتهليل والتكبير ورأوا الناس فيها لما ظهرت لها تلك النيران ولقوا جبراً من ذلك الوهن ومحواً لذلك الأثر ونعمة بعد نقمة وإيناساً بعد يأس وكان ذلك يوم غرق البطسة فوقع من المسلمين موقعاً عظيماً وكان مسلياً لحزنهم.

.ذكر وقعات عدة:

ولما كان يوم الجمعة تاسع عشر الشهر زحف العدو على البلد زحفاً عظيماً وضايقوه مضايقة شنيعة وكان قد استقر بيننا وبينهم أنهم متى زحف العدو عليهم ذقوا كؤوسهم فضربوا بكؤوسهم فأجابت كؤوس السلطان وركبت العساكر وضايقهم السلطان من خارج وزحف عليهم حتى هجم المسلمون عليهم في خيامهم فجازوا خنادقهم وأخذوا القدور وما فيها وحضر من الغنيمة المأخوذة من خيامهم شيء عند السلطان وأنا حاضر ولم يزل القتل يعمل حتى أيقن العدو أنه قد هجم عليه فأخذوا يتراجعون عن قتال البلد وشرعوا في قتال العساكر وانتشب الحرب بينهم ولم تزل ناشبة حتى قام قائم الظهيرة وغشي الناس من الحر أمر عظيم من الجانبين وتراجعت الطائفات إلى خيامهم وقد أخذ منهم التعب والحر.
ولما كان يوم الاثنين الثالث والعشرون دق كؤوس البد فجاوبه كؤوس السلطان وثار القتال بين الطائفتين ولج العدو في مضايقة البلد ثقة منهم أن الناس لا يهجمون على خيمهم وأنهم يهابونها فكذب العسكر ظنونهم وهجموا على الخيام أيضاً ونهبوا منها فتراجع العدو إلى قتالهم ووقع الصياح فيهم فلحقوا من المسلمين جماعة عظيمة داخل خنادقهم وأسوارهم وجرى بينهم وقعة عظيمة قتل فيها اثنان من المسلمين وجرح جماعة وقتل جماعة من العدو. وأعجب ما في هذه الوقعة أنه كان وصل في هذا اليوم رجل كبير مذكور من أهل مازندران يريد الغزاة فوصل والحرب قائمة فلقي السلطان فاستأذنه في الجهاد وحمل حملة شديدة واستشهد في تلك الساعة. ولما رأى العدو دخول المسلمين إلى خنادقهم وتوغلهم داخل أسوارهم داخلهم الحمية وبعثتهم النخوة فركب فارسهم وصحبه راجلهم وخرجوا إلى ظاهر أسوارهم وحملوا على المسلمين حملة الرجل الواحد فثبت المسلمون لهم ثبوتاً عظيماً لم يتحركوا من أماكنهم والتحم القتال من الجانبين واشتد الضرب من الطائفتين وصبر المسلمون صبر الكرام. ودخلوا في الحرب بالتحام، فلما رأى العدو ذلك الصبر المعجب والإقدام المزعج أنفذوا رسولاً في غضون ذلك يستأذنون بالرسول في الوصول، فأذن له فوصل الرسول أولاً إلى الملك العادل فاستصحبه ووصل به إلى الخدمة السلطانية ومعه أيضاً الملك الأفضل فأدى الرسالة وكان حاصلها أن ملك الأنكتار يطلب الاجتماع بالسلطان فلما سمع السلطان الرسالة أجاب عنها في الحال من غير تفكر ولا ترو بأن قال: إن الملوك لا يجتمعون إلا عن قاعدة ولا يحسن منهم الحرب بعد الاجتماع والمواكلة وإذا أراد ذلك فلا بد من تقرير قاعدة قبل هذه الحالة ولا بد من ترجمان نثق به في الوسط يفهم كل واحد منا ما يقول الآخر فليكن بيننا ذلك الترجمان فإذا استقرت القاعدة وقع الاجتماع بعد ذلك إن شاء الله تعالى. ولما كان يوم السبت الثامن والعشرون خرج العدو راجلهم وفارسهم من جانب البحر شمالي البلد وعلم السلطان ذلك فركب وركب العسكر وانتشب القتال بين الطائفتين وقتل من المسلمين بدوي وكردي وقتل من العدو جماعة وأسروا واحداً بسلاحه وفرسه ومثل بين يد السلطان ولم يزل القتال يعمل حتى حال الليل بين الطائفتين، ولما كان الأحد التاسع والعشرون خرج العدو برجالة كثيرة على شاطئ النهر الحلو فلقيهم طائفة من اليزك وجرى بينهم قتال عظيم ووصلت رجالة من المسلمين إلى الحرب فأسروا مسلماً وقتلوه وأحرقوه وأسر المسلمون منهم واحداً فقتلوه وأحرقوه ولقد رأيت النارين تشتعلان في زمان واحد، ولم تزل الأخبار تتواصل من أهل البلد بالاحتفال بأمر العدو والشكوى من ملازمة قتالهم ليلاً ونهاراً وذكر ما ينالهم من التعب العظيم من تواتر الأعمال المختلفة عليهم من جريرة قدوم الأنكتار ثم مرض مرضاً شديداً أشفى فيه على الهلاك وخرج الفرنسيس ولم يزدهم ذلك إلا إصراراً وعتواً وكان لأخت ملك الأنكتار خادمان مسلمان في الباطن كانا في خدمتها في صقلية وكانت هي زوجة صاحب صقلية فلما مات ومر أخوها بالبلد أخذها وأصحابها معه إلى العسكر وهرب الخادمان إلى العسكر الإسلامي فقبلهما السلطان وأنعم عليهما إنعاماً عظيماً.